حتى اليوم لا أصدق أن صديقي وأخي الفنان جورج سيدهم قد رحل بعد أن عشت إلى جواره أكثر من 20 عاما في محنة مرضه، كان يأتيني صوته بصعوبة بالغة ليهنئني بحروف متقطعة متباعدة بمقدم عام جديد؛ كان رحيله صدمة لأني لم أكن أعتبر أن جورج مريض؛ فهو كان حتى أنفاسه الأخيرة واعيا تماما ومدركا لما حوله، فضلا عن كوني أشاهد أعماله بانتظام، عندما نقلت له خبر وفاة صديقته المقربة ورفيقة دربه بطريقة متدرجة بحسب نصيحة السيدة الفاضلة زوجته د. ليندا مكرم، ظهرت على جورج علامات الحزن العميق وامتنع تماما عن وجبته التي وضعت أمامه، ولم أعتبر جورج مريضا لأنني اعتدت على صوته المميز المبهج في كل مناسبة أمر بها مرددا عبارته الوحيدة التي يلقيها كاملة: كووول سنة وانت طيب يا حبييييبي، كان يعيش الفنان الكبير الكوميديان جورج سيدهم أجواء الاحتفال الذي يأخذ شكل قدسية المناسبات وبهجتها خلال الأعياد؛ حيث تذهب إليه في عزلته إحدى فرق كورال الأطفال ليغنوا من أجله بعضا من السعادة التي منحها لجمهوره طوال أربعة عقود قبل أن يداهمه المرض، الذي حوله إلى إنسان صامت، يشاهدنا ولا نسمعه إلا قليلا..
كنت كلما قمت بزيارته، تملكتني مشاعر متباينة ما بين السعادة الغامرة أنني بصحبته، وإحساس آخر هو حالة من الحزن العميق تنتابني تعاطفاً وتوحدا مع حالته الصحية إثر الهجمة الشرسة من المرض التي هاجمته منذ العام 1997م والتي ألقت بظلالها وتركت أثرها على مركزي الكلام والحركة وتسببت له في حالة من العزلة الاجبارية مع زوجة مخلصة هي الدكتورة ليندا مكرم وأبعدته عن الفن عشقه وغرامه ومصدر رزقه الوحيد، وما صاحبها من اعتزال مبكر وهو في قمة نضجه وعطائه الفني..
23عاماً عشتها مع الصمت يا جورج – ولكنك كنت صامدا صمود الجبل العتيد، تقاوم بحبك للحياة، مستمدا قوتك من إيمانك بالله، ومن أنفاس زوجة مخلصة قلما يجود الزمان بمثلها، تحول محرابك في قاعتك المفضلة التي تعيش فيها معظم ساعات النهار وبضعة ساعات من الليل، إلى واحة غناء أنت وهي مليكها، تطلب بنظرة عين فتلبي دكتورة ليندا زوجتك المحبة طلبك قبل أن يرتد طرفك، وقد تحول جسداكما إلى كيان واحد.. روح واحدة، تسعد فيها الزوجة بخدمتك – وهي خدمة شاقة لمن لا يعرف – وتطمئن أنت إلى وجودها.. زوجة وأما وحبيبة وأختا وطبيبة، تعرف كل صغيرة وكبيرة عن حالتك، إلا أنها حتى يطمئن قلبها تجري عشرات الاتصالات بأطبائك المحبين قبل أن تمنحك قرصا واحدا من العلاج بإخلاص ووعي وفهم لاحتياجاتك.. حقاً .. " حينما يكون الإثنان واحدا".. لم تقصر في حقك أبدا بل زادت من واجباتها طواعية، باسم كل محبيك.. كل من وهبتهم السعادة، كل من تضحكهم إلى اليوم من خلال أعمالك الباقية، وإلى ما شاء الله، وما بقي فنك.. نتمنى تكريما يليق بعطائك.
--------------------------
بقلم: طاهر البهي